تشهد معظم دول العالم في الآونة الأخيرة اضطرابات في شتى الميادين، ولدت من خلالها ضغوطات وتذبذبات نفسية و اجتماعية تضرب اﻟﻤﺠتمع وترمي بأفراده في كابوس من الرعب وعدم الاستقرار، جراء تفشي وباء عالمي المسمى كورنا كوفيد 19 قلب موازين الأمم والشعوب
وصار فئة الطفولة والمراهقة من الشباب ، إذ يلجأ إلى ملء الفراغ الرهيب الذي خلفه الحجر المنزلي في ممارسة هذه الألعاب الإلكترونية باعتبارها المتنفس الوحيد له من أجل الهروب من واقع وبيئة اجتماعية فعلية أصبح فضاء مظلم له ، ويرى بأن الواقع الافتراضي هو واقعه الحقيقي ، ما نتج عنه إدمان كبير على هذه الألعاب الإلكترونية وأصبح الطفل يخصص لها متسع كبير من الوقت ما جعله ينفصل وينعزل تماما عن محيطه الأسري والاجتماعي، حتى يجد نفسه في غرفته منفصل عن مجريات الأحداث والوقائع الحياتية اليومية. ونظرا لأهمية هذه الألعاب خلال فترة الحجر الصحي إلا أن خطورتها تبقى مقرونة بظاهرة العنف التي تفرض نفسها بقوة في معظم اﻟﻤﺠتمعات
فإنها أثارت الباحثين للبحث والغوص في أعماقها. خاصة بعد أن أصبحت ظاهرة مقلقة لكل اﻟﻤﺠتمعات المتقدمة منها والمتخلفة، وأصبح العالم ملئ بأحداث العنف بكل أنواعه ومستوياته، لدرجة يمكن أن نطلق عليه قرن العنف الاجتماعي، العنف المدرسي، الحضري، الاقتصادي…إلخ ومن ثمة صارت هذه المواد الترفيهية التي تقدمها هذه الوسائل والوسائط تؤثر على أنماط حياة الأطفال وسلوكهم، وتفتح أذهانهم على قيم وأفكار جديدة يحاولون تقليدها في حياﺗﻬم اليومية، لذا أردنا من خلال هذه الورقة البحثية إجراء إسقاط مقارباتي نظري على هذه المشكلة استنادا لنظريات التأثير واتجهنا صوب نظرية الغرس الثقافي التي تعد إحدى النظريات التي راح منظريها ومؤسسيها يعالجون هذه الزوايا من حيث أنماط الممارسة والأثر.
و هــــذا مــــن بــــين الأســــباب التــــي أدت إلــــى تنــــامي ظــــاهرة العنــــف فــــي الوســــط المدرســــي بــــالجزائر فــــي الآونــــة الأخيرة ، وهــذا مــا أكدتــه بعــض الدراســات الحديثــة منهــا أن % 40مـــن التلاميــذ يتميــزون بســلوك عــدواني يــدفعهم إلــى ممارســة العنــف بمختلــف أشــكاله وأن الجزائـــر تحتـــل الصـــدارة فـــي قائمـــة بلـــدان المغـــرب العربـــي مـــن حيـــث نســـبة العنـــف المســـجل فـــي الوســـط المدرســـي ، ومـــا يلاحـــظ أن العنـــف ينتشـــر لـــدى التلاميــــذ الــــذين ينتمـــون إلــــى الطبقــــة المتوســــطة و العــــائلات التــــي تــــوفر لا بنائهــــا متطلبات الحياة بحيث تقدر نسبتهم بـ % 35.
العنف المدرسي في ظل الألعاب الإلكترونية: استفحلت في الآونة الأخيرة ظاهرة العنف المدرسي باعتبارها جسر يهدد المجتمع وتعددت أسباب هذه الظاهرة منها تأثير العنف الافتراضي على الواقع حيث تطرقنا في هذا المقال الذي جاء تحت عنوان العنف الافتراضي و تنامي السلوك العدواني في المدارس إلى مظاهر السلوك العدواني في الوسط المدرسي وعلاقة البيئة المدرسية بهذه الظاهرة ثم تصنيفات العنف المدرسي بمحاولة مدى ارتباط العنف الافتراضي المتضمن الألعاب الالكترونية العنيفة وظاهرة العنف المدرسي وهذا من باب استهلاك الأطفال للألعاب الالكترونية العنيفة فهل يبقى مجرد عنف افتراضي حيث يكون متنفس للطفل لإفراغ مكبوتة من العنف أم يتعدى إلى عنف واقعي من خلال التقليد والمحاكاة …
الأطفال بحاجة إلى مخطط يومي من أجل أن يكون سلوكهم طبيعيا ولا يميلون إلى العنف أو التمرد: كما أوضح الخبراء أن التخطيط لروتين يومي يجعل الفرد قادرا على السيطرة على الأمور وخاصة في ظل الأزمات، مشيرين إلى أن الأشياء البسيطة يمكن أن تساعد على تقبل الوضع غير الطبيعي ، حيث أكد المختصون في علم نفس الطفل والمراهق أن ارتداء ملابس المدرسة مثلا أثناء القيام بالواجبات المدرسية في المنزل بدل البقاء بملابس النوم من شأنه أن يمنح الطفل نوعا من الراحة ويشعره بالاختلاف. كما أشاروا إلى قيمة التواصل الاجتماعي وأهميته في جعل الطفل لا يقلق من الروتين اليومي وذلك بمساعدته على استثمار الوقت في الاتصال والتواصل مع الأصدقاء بشكل آمن. ودعوا الآباء والأمهات إلى المساعدة في تنظيم بعض الأنشطة الافتراضية كالمطالعة أو مشاهدة فيلم وثائقي على أن يقوم كل واحد بعرضه بطريقته. كما دعا علماء النفس الأهل إلى تفهم نفسية أطفالهم الذين “خاب أملهم بفقدان ما اعتادوا عليه بسبب فايروس كورونا ، وأوضحوا أن ذلك يعتبر خسارة كبرى للمراهقين في حياتهم، مؤكدين أنه لا يجب قياس ذلك ومقارنته بتجاربنا. وشددوا على ضرورة دعمهم والتعاطف معهم لأنهم محبطون ويشعرون بالحزن جراء فقدانهم لما تعودوا.
ومن هنا يتبين أن الطفل خلال فترة الحجر الصحي أصبح يشبع حاجاته ورغباته ويملء فراغه بممارسة هذه الألعاب الإلكترونية باعتبار أن الوسائط الجديدة تفرز ميزات وخصائص مستحدثة في هذه الألعاب الإلكترونية ( لعبة البابجي نموذجا) التي تطرح ممارسة ذات جود عالية بالصوت والصورة وخاصة في إخراج تصميم اللعبة ، حيث يحدث للطفل تنويم مغناطيسي يجعله يغوص في هذا العالم الافتراضي دون أن يشعر بشيء ليجد نفسه بمعزل عن المحيط الأسري والبيئة الاجتماعية ، وراح نظرية الغرس الثقافي تركز على كثافة التعرض ، وهنا يكمن في شدة التأثر وتعرض الطفل لهذه الألعاب فكلما كانت شدة التعرض أكثر كلما كانت زادت نسبة التأثر ، وبالتالي الوسيلة هي امتداد لدوافع التعرض وإشباع الحاجات ، حيث يبح الطفل غير قابل للواقع الحقيقي الفعلي ويعتقد بأن الواقع الافتراضي هو واقع الفعلي ويحاول كل مرة الهروب من واقع الحجر المنزلي إلى هذه الألعاب الالكترونية لتفريغ المكبوتات و ملء الفراغ ، حيث ينتج عن استخدام الألعاب الإلكترونية أثار تنعكس سلبا على الطفل ومحيطه الأسري ومن بينها:
ثار نفسية : قد تحدث له اضطرابات نفسية كمرض التوحد ويجعل من هذه الألعاب المتنفس الوحيد ، هي الأم ، الأب ، الأخ ، الصديق ، ومستقبلا قد يكون انطوائي ويصبح غير اجتماعي ، ومن بين الآثار التي تفرزها هذه الممارسات على الطفل فترة الحجر المنزلي هو أنه يكتسب سلوكات وأنماط غريبة ودخيلة عن مجتمعه وهي المتعلقة بترجمة السلوكات والأنماط التي اكتسبها من الواقع الافتراضي إلى الواقع الحقيقي كحركات عدوانية ، أصوات غريبة . القيم والوازع الديني: هذه الألعاب الإلكترونية ( الباجي نموذجا) تروج لأفكار وايديولوجيات ونعرات و قيم دخيلة عن المجتمعات العربية والإسلامية إذ تحاول بشتى الطرق أنها تضرب في عمق المبادئ والثوابت الإسلامية وتحاول من خلال ترويجها لهذه الألعاب أن تجسد في رسائلها الاتصالية أشكال، رموز وشيفرات وعناصر تيبوغرافية تتعارض مع القيم الاجتماعية والدينية .
الانحلال الأخلاقي والتربوي : إن منتجي الألعاب الإلكترونية أعادوا في تصميم الألعاب الإلكترونية خاصة خلال أزمة ورونا كوفيد 19 وأضفوا فيها تصاميم وعناصر تيبوغرافية مرهبة ومرعبة كالألوان المثيرة وإدراج الصور الخليعة والإباحية ، صور الدم والعنف ) من أجل زعزعة إيمان وشخصية الطفل العربي المسلم وأسسه التربوية من خلال نشر ثقافات غربية دخيلة من أجل هدم القيم التربوية والأخلاقية في المجتمعات العربية الإسلامية بصفة عامة والجزائر بصفة خاصة ، والجزائر عينة البلدان العربية أين توصلت الإحصائيات بأن في كل عائلة هناك ثلاث أفراد على الأقل يستخدمون الألعاب الإلكترونية والتي جعلت منهم دمى ميتة حركية بدون روح منعزلة عن العائلة ومتهربة من واقع الأزمة تعيش في غرف مظلمة مع واقع الخيال والأوهام ، حتى أن الطفل صار لا يقبل الاجتماعية والتواصل البيولوجي ، وتعد الألعاب الإلكترونية من وسائل الاتصال الانفصال الاجتماعي التي فصلت وعزلت الطفل عن القراءة والكتابة والإبداع والاطلاع والتميز وانماء العقل بالعلم والمعرفة واكتشاف مواهبه
حتى أنها نجحت في إبعاده عن صلاته ودينيه ، أصبح يهدر وقته الثمين في التفاهات التي ستعرضه للخطر مستقبلا في غياب وإهمال أسري. وفي الختام يمكننا التعريج على لما لها من محددات الجوانب النفسية والاجتماعية من وجهة نظر النماذج المختلفة ( الاجتماعية، والاقتصادية ، والسياسية ، والنفسية ، البيولوجية )، إضافة لظاهرة العنف المتدرجة من الكلامي ( ألفاظ بذيئة ، تهديدات ) إلى الجسدي ( إحداث عاهة أو قتل ) ، باعتبار الجوانب والتأثيرات النفسية والاجتماعية والسلوكية من وجهة نظرنا يكمن من خلالها تنظيم المجموعات التربوية المدرسية والاجتماعية والأسرية ، حيث تعتبر العملية الناجعة من أجل مساعدة الطفل وذلك بناءً على التجربة العملية والتعليمية فإننا نجد أن التدخل والعلاج يجب أن يكون على أكثر من صعيد :
المحيط الخارجي للمدرسة كالمنزل والشارع والمجتمع والمسجد – التلميذ والمعلم – المدرسة والصف، وعليه فإن أي تدخل في إطار المدرسة على سبيل المثال يجب أن يأخذ بعين الاعتبار جميع الأطراف السابقة الذكر وبناء برنامج تدخل شمولي يكون لكل طرف من هذه الأطراف مشاركة فعالة في التعرف على الصعوبات ومسحها ، والتخطيط لبرامج التدخل الملائمة للإطار ، والمشاركة الفعالة في عملية التنفيذ.
بقلم نصرالدين مهداوي