أدى الجزائريون رجالا ونساء، اليوم، أول صلاة جمعة بجامع الجزائر الأعظم، بعد تدشينه رسميا من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
وألقى خطبة الجمعة الأولى بالجامع الأعظم، فضيلة الشيخ محمّد المأمون القاسمي الحسنيّ.
وحضر الصلاة، وزراء الحكومة، وشيوخ وعلماء والعديد من الشخصيات المعروفة.
وفيما يلي النص الكامل لخطبتي أوّل صلاة جمعة بجامع الجزائر:
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الثانية
إنّنا نعيش في عصر أكبر سماته هو أنّه عصر تجمّعات وتكتّلات. وأمّتنا هي أجدر النّاس بذلك.
وأحوج ما تكون إلى تحقيق التجمّع والتكتّل والتوحيد، أمام أعدائها، وقوى الشرّ العالمية، الّتي تقف لها بالمرصاد، من كلّ جانب. ولقد كان من فضل الله علينا أن جعل شعار أمّتنا “كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة”. فالله واحد، والقرآن واحد، والرسول واحد، والقبلة واحدة، والأمّة واحدة. “وإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ” [المؤمنون.52]
لقد كانت الهجرة النبوية أعظم حدث في تاريخ الأمّة الإسلامية، ونقطة تحوّل في مسيرتها المباركة. كانت بداية الانتقال من الضعف إلى القوّة، ومن الجماعة إلى الأمّة والدولة؛ وكانت نقلة تاريخية مشهودة لبناء مجتمع جديد، وتشييد دولة الحقّ والعدل والإحسان، يباركها الرحمن، وتضيئ جوانبها أشعّة الهدى والإيمان. وامتنّ الله بذلك على رسوله، عليه الصّلاة والسّلام، فقال: “هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ. وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال.63]
وحين نراجع تاريخ أمّتنا الحافل بمفاخر الزمن، وجلائل الأعمال، نجد أنّ أمّتنا لم تشهد عزّا، ولم تحقّق نصرا، إلّا بروح التضامن والتكافل، والتكتّل والوحدة. وأنّها لم تتعرّض للزلازل والنكبات، إلّا في ظلمات التفرّق والتمزّق والشّتات. ولذلك كان شأن الأعداء دائما أن يتعاملوا معها بطريقة: “فرّق تسد”. فهم لا يغيظهم شيئ كأن يروا الأمّة المؤمنة متآلفة متماسكة؛ ولا يسرّهم شيئ كسرورهم حين يرونها متفرّقة متمزّقة. لأنّهم، حين ائتلافها واتّحادها، لا يستطيعون أن ينالوا منها منالا، ولكن، حين تفرّقها وتمزّقها، يجدون الثّغرات الّتي ينفذون منها إلى أغراضهم الّتي يريدون، ومآربهم الّتي لها يسعون.
لقد ذقنا الأمرّين في الماضي، بسبب التفرّق والتمزّق، وقاسينا، من جرّاء ذلك ما قاسينا في أوطاننا وشعوبنا. وقد آن الأوان كي نفقه هذا الدرس العصيب، فنترك روح العصبية والإقليمية، وننبذ نزعة الجاهلية؛ وننتظم تحت لواء الوحدة والتضامن بين شعوبنا؛ حتّى نواجه الأخطار المحدقة بنا، في قوّة وصلابة؛ وحتّى نقف وقفة الحزم والعزم، أمام أعدائنا، الّذين يتربّصون بنا الدوائر؛ وهم على الأبواب، عن يمين وشمال؛ وقد يحقّقون فينا مشاريعهم وأهدافهم، لا سمح الله، إن لم نكن صفّا واحدا وهدفا واحدا.
إنّ هناك من يدعو إلى أن تيأس الأمّة من نفسها، إذا لم يكن فيها بقية صالحة لحياة عزيزة كريمة، ونحن المسلمين نقرأ أحاديث لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، تمنحنا طاقة من الأمل، بأنّ المستقبل للإسلام، مهما يبلغ الفساد، وتتكاثر قوى الشرّ، ويتعاظم طغيان أهل الباطل. ومهما تشتدَّ الخطوب، ويدلهمَّ الظلام، فإنّ اليأس لا يجد إلى قلوب المؤمنين سبيلا. فلا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون، ولا يقنط من رحمته إلاّ الضّالّون. والله غالب على أمره، ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون.
فاتقوا الله، عباد الله. توبوا إلى ربّكم واستغفروه؛ وحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزَن عليكم، وأكثروا من الصّلاة والسّلام على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، تكونوا من الفائزين. فإنّ من صلّى عليه صلاة، صلّى الله عليه بها عشرا. اللهمّ صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأنصاره إلى يوم الدين. واجعلنا بالصلاة عليه من الفائزين. وبسنّته من العاملين. وعلى حوضه من الواردين. ولا تحل بيننا وبينه يوم القيامة، برحمتك يا أرحم الراحمين….
…..عبد القادر عقون